محللون يحذرون من تراجع قضية فلسطين إعلامياً

عين اليوم – نادية الفواز اتفق محللون سياسيون في حديثهم لـ”عين اليوم” على أهمية إعادة قضية فلسطين إلى الذاكرة الإعلامية بعد غيابها عن صدارة المشهد الإعلامي العربي خلال الفترة الماضية، وأرجعوا تراجع الاهتمام بالقضية المركزية للعرب إلى ما تشهده الساحة العربية من تغيرات وثورات وصراعات مسلحة وإرهاب وتدخلات خارجية أثّرت على موقع القضية الفلسطينية إعلاميًا، ورصدوا تأثيرات ذلك على القضية والطرق الكفيلة برد الاعتبار لتضحيات وكفاح الشعب الفلسطيني، والدفع بالقضية لواجهة المشهد، في خطوة لرفع المعاناة عن الفلسطينيين وإعادة إحياء مفاوضات التسوية. * 3 أسباب للغياب يقول المحلل السياسي الدكتور إبراهيم العثيمين: رغم أن القضية الفلسطينية لم تغب عن أجندات القمة الأخيرة للتعاون الإسلامي، حيث أكد إياد مدني أمين عام منظمة التعاون الإسلامي في كلمة افتتاح القمة أن القضية الفلسطينية لا تزال القضية الأم للمنظمة، إلا أن هناك غيابًا للقضية يعود إلى 3 أمور رئيسية؛ الأمر الأول: أن الأنظمة العربية الجديدة بعد مخاض ما يسمى بالربيع العربي أصبحت مشغولة بالقضايا الداخلية أكثر من الانشغال بالشأن الخارجي وعلى رأسه القضية الفلسطينية، والوضع الداخلي أصبح يأخذ حيّز الاهتمام في الفترة الحالية مثل قضية الاقتصاد والأمن، والأمر الثاني: بروز ظاهرة الإرهاب العابر للقارات وانتقال خطر تنظيم داعش من الداخل العراقي والسوري إلى الساحتين الإقليمية والدولية دفع بمسألة مواجهة الإرهاب وتجفيف منابعه لتسيد أجندات الدول بعدما تحولت المنطقة العربية إلى أرض خصبة ونقطة جذب لجميع الإرهابيين في العالم، مستغلين عدم الاستقرار السياسي، والترهّل المؤسسي وخاصة لمؤسستي الأمن والجيش، والأمر الثالث: الانقسام الفلسطيني الداخلي بعد 2007 ووجود سلطتين سياسيتين لأول مرة في تاريخ القضية، ما أفقد القضية الفلسطينية وهجها ومصداقيتها وتحوّلت من مقامة للاحتلال إلى صراع على السلطة. * شغل المملكة الشاغل من جهته، قال المحلل السياسي والباحث في العلاقات الدولية الدكتور لؤي الطيار إن قضية فلسطين عالمية ودولية ولا يمكن لأحد أن ينكرها أو يتجاهلها وهي شغل المملكة العربية السعودية الشاغل، وكان خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في مؤتمر القمة الإسلامية في تركيا وفعاليات القمة مهتم بقضية فلسطين.. وأضاف أن السعودية في سياستها الخارجية كانت ولا تزال من أهم المساندين لقضية فلسطين، ويجب أن ينتبه الإعلام إلى الأحداث التي تجري في المنطقة، وتأثيرها على قضية فلسطين باعتبارها الهم الأول للعرب والمسلمين، مشيرًا إلى أن الأزمات في ليبيا وسوريا والعراق واليمن وغيرها وملفات الإرهاب أخذت حيزًا كبيرًا من خريطة الإعلام، وقد يكون سبب عدم بروز أحداث فلسطين لعدم وجود أحداث جديدة على الأراضي المحتلة. * مبادرات لتحريك المياه الراكدة وقال رئيس مركز أبحاث القرن العربي الدكتور سعد عمر إن قضية فلسطين قضية كل عربي ويجب أن تكون في المقدمة الإعلامية وتحتل المرتبة الثانية لأي دولة عربية وإسلامية بعد القضايا المحلية، وأضاف أن قضايا الأمة العربية والإسلامية المتشعبة في الفترة الأخيرة جعلت قضية فلسطين تتراجع بسبب ما أخذته قضايا سوريا واليمن والعراق وليبيا من حيز إعلامنا العربي، مؤكدًا أن القضية الفلسطينية لن تموت وستظل للأبد، وليس هناك راحة للأمة الإسلامية طالما ظل الاحتلال ولكن القضية تحتاج إلى حراك دائم كي تكون في المقدمة إعلاميًا، وخصوصًا عند وجود انتفاضة أو عمليات نوعية ضد الاحتلال، وتستغل إسرائيل الانشغال العربي والإسلامي بتصعيد الممارسات الاستيطانية دون أي قلق إعلامي، وأشار عمر إلى أهمية وجود حراك سياسي ومبادرات لتحريك المياه الراكدة في القضية الفلسطينية، فالجميع ينتظر مبادرات أو حلول أو تحرك فلسطيني، وختم بالقول: لا خوف على قضية فلسطين مهما غابت عن الإعلام لأنها محفوظة بالقرآن، وما دام وراءها شعب مناضل يطالب بحقوقه فلا يمكن أن تنسى، ومن الواجب على الإعلام العربي على المستوى الحكومي والخاص خلق ظروف ومناسبات لإحياء القضية إعلاميًا. * وسائل الإعلام ترتب اهتمامات الناس وقال وكيل كلية الإعلام والاتصال في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور محمد بن سليمان الصبيحي: إن وسائل الإعلام على اختلافها مصدر مهم في ترتيب اهتمامات الناس بقضاياهم تبعًا لدرجة اهتمام الوسائل بها وإبرازها والتركيز عليها؛ فما تهتم به الوسائل وتكرر الحديث عنه هو ما يكون حاضرًا في أذهان الناس، وبالتالي اتجاهات وسائل الإعلام وأجنداتها وملاكها والمؤسسات السياسية والاقتصادية المؤثرة عليها، هي المؤثرة على ترتيب أولويات القضايا عند الجماهير، وبروز القضية الفلسطينية أو إغفالها تكتيك إعلامي يخضع لمتغير سياسي واقتصادي تتأثر به المؤسسات الإعلامية وفقًا لانتماءاتها، خاصة أن معظم وسائل الإعلام ومؤسساته منتمية إلى شركات عابرة للقارات تهدف لتمرير منتجاتها وبناء شعوب مستهلكة ومنظومة من أشخاص بدون هوية خاصة ينطلقون منها ويدافعون عنها. وفي إطار الحلول المقترحة لمعالجة هذه الحالة؛ أشار الصبيحي إلى الحاجة الماسة لمناقشة هذه الجدليات المطروحة عبر البحوث والدراسات المتأنية وتوعية الرأي العام وبناء منظومة مفاهيم تناقش التربية الإعلامية عبر برامج التعليم والتدريب لفهم وسائل الإعلام واختيار المحتوى الإعلامي والتعامل بوعي مع وسائل الإعلام استخدامًا وتفاعلًا ومعرفة المصادر الإعلامية الموثوقة والاعتماد على وسائل إعلامية معينة تتوافق مع البناء الثقافي والاجتماعي. * رفع مستوى الوعي وبناء إستراتيجية وأكد الصبيحي على صعوبة التحكم أو حراسة البوابة من خلال ما تنتجه وسائل الإعلام ودرجة التزامها بأخلاقيات ومواثيق الشرف وبالتالي انتقلت حراسة البوابة للجمهور من خلال رفع مستوى التعليم والوعي لاستخدام الوسائل الإعلامية للمحافظة على القيم والوعي وفرض أولويات الاهتمام على وسائل الإعلام بدلًا من العكس وفق معطيات نظرية ترتيب الأولويات؛ فيمكن أن يتولى الجمهور ترتيب الأولويات وهذا يرجع للوعي وارتفاع درجته لدى الجمهور والاستقلالية في التفكير، وقال إن الحل يكمن في تكامل معطيات الإعلام في العالم العربي والإسلامي وبناء إستراتيجية عبر هيئات وجمعيات مدنية ترتبط بها وسائل الإعلام لإيجاد مرجعية إعلامية أخلاقية تتكامل فيها الجهود بما يساعدنا على توفير إعلام منافس يناقش مشكلاتنا وقضايانا وبناء رأي واضح وناضج يتوافق مع هويتنا واهتماماتنا. * البحث عن القواسم المشتركة وختم الصبيحي حديثه قائلًا: لا شك أن قضية فلسطين هي القضية المركزية ولا بد أن يكون لدى الإعلام منطلقات لمعالجتها وتناولها باعتبارها قضية المسلمين الأولى، ونبّه الصبيحي إلى وجود جهود لتفتيت وتشتيت القضية عبر التصنيفات: تصنيف المنظمات والأشخاص؛ ما يترتب عليه أن تكون نظرتنا للقضية الفلسطينية ونظرة الإعلام العربي والإسلامي ليست فوق مستوى الخلافات، وتغرقنا في التفاصيل والجدل، والعرب والمسلمون بحاجة لبناء إستراتيجية إعلامية متوافقة تعتمد على القواسم المشتركة، وتدافع عن القضايا العادلة للأمة وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وعدم الانشغال بالمهاترات والاختلافات وجلد الذات والنقد والشخصنة والبحث في تفاصيل قد لا تخدم القضية.